[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
بداية، فإن وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور الشهيرة بـ«وثيقة السلمى»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ليست وثيقة نائب رئيس الوزراء، ولا هى وثيقة مجلس الوزراء، هى وثيقة
المجلس العسكرى، هى حلقة أخرى فى سلسلة مطباته المرتبكة المربكة.. مع ذلك
فإن الجانب الإيجابى فيها هو سعيها إلى توازن بين القوى السياسية يحول دون
تفرد واحدة منها بصياغة الدستور وفق مصالحها على حساب القوى الأخرى. أما
الجانب المظلم فهو محاولة المجلس العسكرى الحصول للقوات المسلحة على مكانة
خاصة فى الدولة تسمح لها بأن تكون سلطة فوق السلطات الشرعية الثلاث
(التشريعية والقضائية والتنفيذية)، وهو ما استفز القوى الوطنية جميعاً.
طرح الوثيقة على هذا النحو ليس وحده السبب فيما حدث من توابع.. توقيت
طرحها كان سبباً آخر، إذ جاء دون تشاور كاف، كما أنه صب الزيت على لهيب
معركة انتخابية مشتعلة بالفعل، ومع ذلك فعندما فوجئت السلطة برد الفعل
الحاد من الجماعة الوطنية بقواها المختلفة لأسباب متباينة سارعت إلى
التراجع.. أعلنت أن الوثيقة غير ملزمة، وعدّلت فى المواد المتعلقة بالقوات
المسلحة، إلا أن قيادات الإسلام السياسى التى لم تكن راضية عن صياغة بعض
بنود الوثيقة قررت أن تنتهز الفرصة للمواجهة مع المجلس العسكرى، وهى
المواجهة التى كانت تبيت لها منذ أعلن الفريق عنان، رئيس الأركان، أن
الدولة المدنية ضرورة، وأنها قضية أمن قومى.. هكذا كان قرار التيار
الإسلامى: أن ينظم الجمعة الماضى مليونية المطلب الواحد، مطلب إسقاط
الوثيقة.
معظم الذين احتشدوا فى ميادين التحرير لا يعلمون أن الفصيل الإسلامى
الأكثر تنظيماً وكفاءة، الإخوان المسلمون كانوا قد قبلوا منذ خمسة شهور مضت
- أى قبل تصريح رئيس الأركان - بوثيقة مبادئ حاكمة للدستور، وهو ما
يرفضونه اليوم.
فى إطار «التحالف الديمقراطى من أجل مصر» الذى شكلوه مع عدد من الأحزاب
السياسية عقدوا اجتماعاً يوم 28 يونيو فى مقر حزبهم «الحرية والعدالة»،
وأصدروا بياناً يقر بأن «التحالف قد أثمر عن وثيقة من المبادئ الحاكمة
للدستور المقبل»، ووجهوا هذا البيان إلى نائب رئيس الوزراء «د. يحيى الجمل
وقتها» مرفقاً بخطاب وقعه الدكتور سعد الكتاتنى، أمين عام حزب الحرية
والعدالة، فى ذلك الوقت كانت علاقة الإخوان سمن على عسل مع المجلس العسكرى،
ولم تكن موازين القوى قد استقرت تماماً بينهم وبين القوى السياسية الأخرى.
اليوم اختلف الأمر مع اقتراب الانتخابات، وأصبح للقيادات الإسلامية حضور
أقوى زادها زهواً وثقة.. لهذا لم يكن غريباً أن يضاف إلى مطلب إسقاط
الوثيقة مطلب آخر هو تسليم السلطة للمدنيين الذى كان فى حقيقة الأمر المطلب
الرئيسى للتظاهرة، بل إن بعضهم حدد له موعداً لا يتعدى أبريل المقبل،
وانطلقت شحنة التحدى للمجلس العسكرى من عقالها بهتافات من نوعية «يسقط يسقط
حكم العسكر، إحنا الشعب الخط الأحمر»، و«اكتب على حيط الزنزانة، حكم
العسكرى لينا إهانة»، وأخرى تناولت شخص المشير طنطاوى.
المدهش أن الفريق الآخر المعارض للتيار الإسلامى كان يضع فى يوم
المليونية نفسه الرتوش الأخيرة على مذكرة تطالب المجلس العسكرى هى الأخرى
بتسليم السلطة للمدنيين، سلمت للمجلس الجمعة الماضى.. صحيح أن المذكرة لا
تمثل كل هذه القوى رسمياً، لكنها على نحو ما تعبر عنها جميعاً، كما أن من
بين الموقعين عليها رموز بارزة مثل د. عبدالجليل مصطفى ود. علاء الأسوانى
والمهندس حسب الله الكفراوى وسكينة فؤاد ود. حسن نافعة ود. أسامة الغزالى
وأقطاب غيرهم.. تحدد المذكرة خطوات تسليم السلطة بتشكيل حكومة إنقاذ
بصلاحيات كاملة، ثم انتخاب جمعية تأسيسية تضع الدستور، ثم انتخاب رئيس
للجمهورية تنتهى بانتخابه مهمة المجلس العسكرى، ثم تجرى انتخابات
البرلمان.. هذه بالمناسبة هى نفس الخطوات التى اتبعتها ثورة تونس، ورغم
أنها ليست روشتة مقدسة، لكنها مع ذلك مهمة وناجحة ومجرَّبة، ولا داعى
للتعالى عليها بنعرة نظام مبارك أن مصر ليست تونس.
مع ذلك فإن الدخول فى هذه التفاصيل سيجدد الخلاف مرة أخرى بين الفرقاء،
وسيعيدنا مرة أخرى إلى مربع الخلاف الأول: الدستور أولاً أم الانتخابات
أولاً.. لذا دعونا نؤكد أن هناك عنواناً مشتركاً بين الجميع هو تسليم
السلطة للمدنيين.. فى رأيى أن المجلس العسكرى لن يرضخ لهذا المطلب إلا إذا
تكتلت أمامه القوى السياسية فى جبهة واحدة.. المجلس لن يسلم البلد إلى قوى
سياسية متصارعة.. هذه حقيقة لابد أن نعيها، ولابد أن نعى أيضاً أن الثورة
على كف عفريت والبلد فى خطر داهم: الأمن غائب، والأزمة الطائفية عالقة،
والاقتصاد منهك، وفلول الحزب المنحل متربصون، والانتخابات ستزيد الأوضاع
المتردية اشتعالاً.
لا يملك أحد منا فى هذه الظروف ترف الاختلاف ولا ترف الوقت.. ليس أمام
الكل سوى أن ينظروا لوجوههم فى المرآة، وأن يعترفوا بأنهم، وهم نخبة البلد
وقادته، قد خانوا الثورة، أهدروا نبض ميدان التحرير، وانصرفوا للبحث عن
المصالح والمكاسب وأمعنوا فى التناحر فيما بينهم، خاصة أن البعض منهم تراءى
له أن ثمار الثورة ستسقط فى حجره هو دون غيره.. الأمر ليس كذلك.. لو لم
يستطع السياسيون استعادة روح 25 يناير ستسقط لعنات الناس على رؤوس الكل،
الناس ستلعن السياسيين جميعاً.