سادت خلال الفترة الأخيرة حالة من الهدوء المحبط، فمع كل العوامل التي
تحاول إجهاض الثورة في الفترة الأخيرة، ومع شعور الجميع بأن الثوار أصبحوا
موضع اتّهام والفلول موضع ترحيب وتكريم، وأن كافة أهداف الثورة تتراجع بشكل
يثير القلق بل والشك.
فالمجلس العسكري والحكومة إن أرادوا حقا
الإصلاح لأصلحوا واستطاعوا ذلك، والقوات التي وقفت مكتوفة الأيدي يوم موقعة
الجمل بدعوى الحياد وعدم الضرب في المصريين، هي التي ضربت الثوار بعد ذلك،
بدعوى أن رصيدهم يسمح، ثم تكرر الضرب وتكرر العنف الذي وصل في بعض الحالات
لسقوط ضحايا.
ورغم كل عوامل الإحباط هذه فلا أحد يطمح في صدام مع
المجلس العسكري يُقرأ على أنه صدام مع الجيش.. فالكل يحاول أن ينظر حوله
ليبحث عن ذرة أمل، الكل يمنّي ذاته بالصبر ويتهم نفسه دون أن يصرّح بذلك
بأنه ربما بالغ قليلاً، ربما كانت هناك في الأمور أمور لا نعرفها تسببت في
هذا، قد يكون هناك سوء فهم متبادل، قد يكون الأمر مجرد فروق في طبيعة
التفكير بين المدنيين والعسكريين.
كل يوم جديد نحاول أن نجد أعذارا جديدة نضعها للمجلس العسكري وللحكومة؛ لنعطي لأنفسنا فرصة بأن غدا يوما أفضل.
نُصبر
قلقنا بأن الصبح قريب، والانتخابات اقتربت ورغم كل شيء تعهّد المجلس
بتسليم السلطة لمدني، ويحتاج إلى قدرة غير عادية على الإخلال بالوعود
ليستأثر بها ويلغي الانتخابات.
نحاول أن نهدأ ونقول في وجود مجلس شعب منتخب سيقل الضغط نتيجة وجود مدنيين يراقبون عمل الحكومة ولهم سلطة الشعب.
نصدّر
لأنفسنا قليلا من التفاؤل بأنه حتى لو امتدّت الفترة الانتقالية ففي
النهاية سينتخب أول رئيس جمهورية بشكل ديمقراطي وفي انتخابات حقيقية،
وقبلها سيوضع دستور تم وضعه من قبل ممثلين للشعب وتم الاستفتاء عليه بإرادة
الشعب.
ولكن في ضربة واحدة تغيّر كل شيء، فها هو اجتماع د.علي السلمي -نائب رئيس الوزراء- يخرج علينا بمسودة للمبادئ فوق الدستورية.
وها
نحن نكرر أخطاء الآخرين الذين بدأوا هم محاولة الخروج منها، فتركيا التي
أعطت للجيش حقّ حماية علمانية الدولة، تتمرّد على ذلك الآن من أجل
ديمقراطية حقيقية ليست منقوصة لا يسيطر عليها أحد.
وبدلا من أن
نتعلم فإننا نكرّر التجربة بشكل أسوأ، فتعطي مسودة الوثيقة الجيش حق حماية
"الشرعية الدستورية" وتقول: "الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة،
وهي ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها والحفاظ على
وحدتها وحماية الشرعية الدستورية"، وكم هي مطاطة كلمة "الشرعية الدستورية"؛
لتعطي للقوات المسلحة سلطة فوق الرئيس والبرلمان المنتخبين.
ليس
هذا كل شيء بل تقترح المسودة: "يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره
بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة، ومناقشة بنود
ميزانيتها، على أن يتم إدراجها رقما واحدا في موازنة الدولة، كما يختص دون
غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره".. إذن
القوات المسلحة أصبحت هي الخصم والحكم، بل أصبح كل ما يختص بها أمرا فوقيا
لا تقدر أي سلطة في البلاد منتخبة أو غير منتخبة أن تراجعها فيه.
فلا
يستطيع البرلمان أن يُسائل القوات المسلحة في ميزانيتها أو حجم أنفاقها
وأوجهه، كما يحدث في كل دول العالم بصورة سرية بين لجنة خاصة من البرلمان
والقوات المسلحة.
ما زالت الأمور تتحرك من سيئ إلى أسوأ، فها هو بند
آخر من المسودة يقول: "ينشأ مجلس يسمى "مجلس الدفاع الوطني" يتولى رئيس
الجمهورية رئاسته، ويختصّ بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد
وسلامتها، ويبين القانون اختصاصاته الأخرى". ما معنى أن يبيّن القانون الذي
ستضعه القوات المسلحة اختصاصات أخرى لمجلس خاص بالقوات المسلحة؟! والجميع
سيقبل هذه المادة "فوق الدستورية" دون أن يعلموا ماهية هذه الاختصاصات
الأخرى؟
هذا بعض من كلّ، فالمجلس الأعلى أخذ سلطات واسعة في عملية
اختيار الجمعية التأسيسية للدستور، بل أعطى لنفسه الحق -بخلاف ما ورد في
الإعلان الدستوري-بأن يرفض البنود التي تضعها الجمعية التأسيسية.
بكل
بساطة هذه المسودة التي خرجت علينا في مفاجأة غير سارة هي شيء محبط لجميع
الآمال التي تحمّل الجميع طيلة الفترة السابقة من أجلها.. آمال الانتقال من
فترة انتقالية مرتبكة أكثر سوءا مما سبقها إلى فترة ديمقراطية يصبح بها
السيادة للقانون على الكبير قبل الصغير. ويمثل فيها الشعب رئيسٌ انتُخِب
برغبة المواطنين وبرلمان وُضِع دون تزوير تكون آراؤه حرة مطلقة في تحقيق
العدالة.
بل سنكون كمن استبدلنا الديكتاتور بغيره مع تغيّر
المسميات، وبدلاً من أن نغني لمبارك سنغني للمجلس العسكري، وبدلاً من أن
ينافق المنافقون مبارك سينافقون المجلس العسكري.
فالسلطة دون رقابة أو محاسبة لو أعطيت حتى لمن له أخلاق الملائكة لفسد.
على
من فكّروا في مثل هذه المسوّدة أن يراجعوا أنفسهم، فحلم الحرية الذي سيأتي
بالعيش والعدالة الاجتماعية يتم قتله في هذه اللحظة بهذه الأفكار التي
تطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على الثورة، وعلى أي أمل في التغيير، ويجب أن
يحذر الجميع من عواقب ذلك.
تحاول إجهاض الثورة في الفترة الأخيرة، ومع شعور الجميع بأن الثوار أصبحوا
موضع اتّهام والفلول موضع ترحيب وتكريم، وأن كافة أهداف الثورة تتراجع بشكل
يثير القلق بل والشك.
فالمجلس العسكري والحكومة إن أرادوا حقا
الإصلاح لأصلحوا واستطاعوا ذلك، والقوات التي وقفت مكتوفة الأيدي يوم موقعة
الجمل بدعوى الحياد وعدم الضرب في المصريين، هي التي ضربت الثوار بعد ذلك،
بدعوى أن رصيدهم يسمح، ثم تكرر الضرب وتكرر العنف الذي وصل في بعض الحالات
لسقوط ضحايا.
ورغم كل عوامل الإحباط هذه فلا أحد يطمح في صدام مع
المجلس العسكري يُقرأ على أنه صدام مع الجيش.. فالكل يحاول أن ينظر حوله
ليبحث عن ذرة أمل، الكل يمنّي ذاته بالصبر ويتهم نفسه دون أن يصرّح بذلك
بأنه ربما بالغ قليلاً، ربما كانت هناك في الأمور أمور لا نعرفها تسببت في
هذا، قد يكون هناك سوء فهم متبادل، قد يكون الأمر مجرد فروق في طبيعة
التفكير بين المدنيين والعسكريين.
كل يوم جديد نحاول أن نجد أعذارا جديدة نضعها للمجلس العسكري وللحكومة؛ لنعطي لأنفسنا فرصة بأن غدا يوما أفضل.
نُصبر
قلقنا بأن الصبح قريب، والانتخابات اقتربت ورغم كل شيء تعهّد المجلس
بتسليم السلطة لمدني، ويحتاج إلى قدرة غير عادية على الإخلال بالوعود
ليستأثر بها ويلغي الانتخابات.
نحاول أن نهدأ ونقول في وجود مجلس شعب منتخب سيقل الضغط نتيجة وجود مدنيين يراقبون عمل الحكومة ولهم سلطة الشعب.
نصدّر
لأنفسنا قليلا من التفاؤل بأنه حتى لو امتدّت الفترة الانتقالية ففي
النهاية سينتخب أول رئيس جمهورية بشكل ديمقراطي وفي انتخابات حقيقية،
وقبلها سيوضع دستور تم وضعه من قبل ممثلين للشعب وتم الاستفتاء عليه بإرادة
الشعب.
ولكن في ضربة واحدة تغيّر كل شيء، فها هو اجتماع د.علي السلمي -نائب رئيس الوزراء- يخرج علينا بمسودة للمبادئ فوق الدستورية.
وها
نحن نكرر أخطاء الآخرين الذين بدأوا هم محاولة الخروج منها، فتركيا التي
أعطت للجيش حقّ حماية علمانية الدولة، تتمرّد على ذلك الآن من أجل
ديمقراطية حقيقية ليست منقوصة لا يسيطر عليها أحد.
وبدلا من أن
نتعلم فإننا نكرّر التجربة بشكل أسوأ، فتعطي مسودة الوثيقة الجيش حق حماية
"الشرعية الدستورية" وتقول: "الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة،
وهي ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها والحفاظ على
وحدتها وحماية الشرعية الدستورية"، وكم هي مطاطة كلمة "الشرعية الدستورية"؛
لتعطي للقوات المسلحة سلطة فوق الرئيس والبرلمان المنتخبين.
ليس
هذا كل شيء بل تقترح المسودة: "يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره
بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة، ومناقشة بنود
ميزانيتها، على أن يتم إدراجها رقما واحدا في موازنة الدولة، كما يختص دون
غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره".. إذن
القوات المسلحة أصبحت هي الخصم والحكم، بل أصبح كل ما يختص بها أمرا فوقيا
لا تقدر أي سلطة في البلاد منتخبة أو غير منتخبة أن تراجعها فيه.
فلا
يستطيع البرلمان أن يُسائل القوات المسلحة في ميزانيتها أو حجم أنفاقها
وأوجهه، كما يحدث في كل دول العالم بصورة سرية بين لجنة خاصة من البرلمان
والقوات المسلحة.
ما زالت الأمور تتحرك من سيئ إلى أسوأ، فها هو بند
آخر من المسودة يقول: "ينشأ مجلس يسمى "مجلس الدفاع الوطني" يتولى رئيس
الجمهورية رئاسته، ويختصّ بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد
وسلامتها، ويبين القانون اختصاصاته الأخرى". ما معنى أن يبيّن القانون الذي
ستضعه القوات المسلحة اختصاصات أخرى لمجلس خاص بالقوات المسلحة؟! والجميع
سيقبل هذه المادة "فوق الدستورية" دون أن يعلموا ماهية هذه الاختصاصات
الأخرى؟
هذا بعض من كلّ، فالمجلس الأعلى أخذ سلطات واسعة في عملية
اختيار الجمعية التأسيسية للدستور، بل أعطى لنفسه الحق -بخلاف ما ورد في
الإعلان الدستوري-بأن يرفض البنود التي تضعها الجمعية التأسيسية.
بكل
بساطة هذه المسودة التي خرجت علينا في مفاجأة غير سارة هي شيء محبط لجميع
الآمال التي تحمّل الجميع طيلة الفترة السابقة من أجلها.. آمال الانتقال من
فترة انتقالية مرتبكة أكثر سوءا مما سبقها إلى فترة ديمقراطية يصبح بها
السيادة للقانون على الكبير قبل الصغير. ويمثل فيها الشعب رئيسٌ انتُخِب
برغبة المواطنين وبرلمان وُضِع دون تزوير تكون آراؤه حرة مطلقة في تحقيق
العدالة.
بل سنكون كمن استبدلنا الديكتاتور بغيره مع تغيّر
المسميات، وبدلاً من أن نغني لمبارك سنغني للمجلس العسكري، وبدلاً من أن
ينافق المنافقون مبارك سينافقون المجلس العسكري.
فالسلطة دون رقابة أو محاسبة لو أعطيت حتى لمن له أخلاق الملائكة لفسد.
على
من فكّروا في مثل هذه المسوّدة أن يراجعوا أنفسهم، فحلم الحرية الذي سيأتي
بالعيش والعدالة الاجتماعية يتم قتله في هذه اللحظة بهذه الأفكار التي
تطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على الثورة، وعلى أي أمل في التغيير، ويجب أن
يحذر الجميع من عواقب ذلك.